ترتكز الخلفية الفكرية للجماعات الإسلامية على مبدأ
التمكين, و هو الزحف نحو الاستيلاء على نظام الحكم بطرق شتى وبتكتيكات
متعددة ,تعتمد في اغلبها أساليب سلسة في مرحلة التأسيس لمبدأ التمكين ,لكن بمجرد
إيجاد الفرصة لن تتردد أية قوة أو جماعة إسلامية في استعمال القوة للوصول إلى
الحكم.
في المغرب هناك قوتين إسلاميتين متنافستان بشكل تكتيكي لكن
لهما نفس المرجعية ونفس الهدف وهو إرساء نظام الخلافة على منهاج النبوة ,جماعة
العدل والإحسان التي تشتغل من خارج النظام وحزب العدالة والتنمية الذي يشتغل من
داخل النظام عبر الركوب على المعطى الديمقراطي وصناديق الاقتراع مستغلا بدلك عزوف
الناخبين للبقاء في الريادة ,من اجل إنتاج مزيد من السياسات التي تؤزم الوضع أكثر
لتنفير الناخبين مجددا لضمان البقاء في الريادة في كل عملية انتخابية ,وهي سياسة
ماكرة تعمل بشكل دائري ويصعب فيها على أية قوة سياسية منافسة الإسلاميين على
الريادة, لان تازيم الوضع يؤدي إلى عزوف الناخبين و العزوف يؤدي إلى فوز
الإسلاميين وهكذا دواليك .
ما يهمنا في هدا التحليل هو حزب او بالاحرى تنظيم
العدالة و التنمية ,لان جماعة العدل والإحسان ورغم كثافتها العددية باتت
اقرب إلى زاوية صوفية منها إلى تنظيم سياسي , كما أنها بعد موت المرشد المرحوم عبد
السلام ياسين اعتمدت أسلوب التباكي والمظلومية من السلطات في قضايا تافهة
مثل المنع من الرحلات و التخييم أو من الاعتكاف بدل العمل السياسي الوازن, مما
أعطى الانطباع بضعف الجماعة وهوانها إلى اجل ما , وجعل حزب العدالة والتنمية
هو ممثل الإسلام السياسي في المغرب ,مع العلم انه استفاد من الكثافة العددية
للعدل والإحسان في الانتخابات الأخيرة,لان الكثيرين لم يحترموا موقف الجماعة من
المقاطعة على اعتبار قولهم رعي الإبل خير من رعي الخنازير .
ويمكن تلخيص المخاوف الأمنية من حزب العدالة والتنمية في
نقاط كثيرة أهمها :
+ تازيم الوضع والدفع في اتجاه الاحتقان الاجتماعي
رغم أن الحزب حقق منجزات مهمة في فترة ترأسه للحكومة كانت
أهمها القطع مع التسيب الذي كانت تشهده عدة قطاعات ,وذلك لتبنيه مبدأ الأجر مقابل
العمل ووضعه حدا للإضرابات العشوائية التي كانت تعطل سيرورة الوطن خصوصا في
قطاعات التعليم والصحة وبعض الإدارات الترابية مما وفر على الدولة وعلى دافعي
الضرائب ألاف ساعات العمل ,كما وضع حدا للتسيب في مجال التشغيل عبر الضغط في
الشارع وتبني المساواة بالتشغيل عبر المباريات, إلا أن الحزب تبنى سياسات تقشفية
في القطاعات الاجتماعية وأرفقها برفع ملفت للأسعار ,مما شكل ضغطا مضاعفا على
الطبقات الاجتماعية الدنيا والتي تشكل غالبية الشعب ,هذه السياسة هي عبارة عن
تدمير للنظام من الداخل بشكل سلس, بحيث أن إسقاط النظام لا يتأتى فقط عبر مواجهته
من خارجه بل يمكن بشكل فعال عبر اختراقه وتبني سياسات فاشلة تؤزم الوضع و تدفع في
اتجاه انفجار الاحتجاجات العنيفة ,وهنا يأتي دور الحركات الإسلامية التي بقيت خارج
المنظومة ,أي أننا هنا أمام تكتيك نقاسم الأدوار بين الحركات السياسية الإسلامية,
البعض يؤزم الوضع من داخل الحكومة ويضفي جوا من اليأس ,والبعض الأخر سيتكلف بإشعال
الاحتجاجات في الشارع نتيجة هدا التشنج .
+عزل الحاكم عن محيطه القريب
في مرحلة ما أحست العدالة والتنمية أنها أصبحت من القوة
بالشكل الذي يمكنها من عزل الحاكم عن محيطه القريب عبر إخراج مصطلح التحكم والتصريح
بوجود حكومة موازية في المغرب, والبدا في فتح الصراع مع المحيطين بالمؤسسة الملكية
خصوصا بعض المستشارين وهيئات الاستخبارات النافدة ,والهدف طبعا هو ضرب الأطراف
والأجنحة في افق الانفراد بالحاكم لضربه مباشرة ,ليس بشكل مادي وإنما بشكل
رمزي عبر سلبه اختصاصاته ,وهي إستراتيجية واضحة بشكل جلي, فمن بين نقاط قوة الدولة
هي قوة وجدية المحيط الأمني أفقيا وعموديا ,وهنا لا يمكن للإسلاميين أن يتنفدوا
إذا بقيت الأجهزة الأمنية قوية ونافدة وإذا بقي الملك محاطا بسور صلب من
المستشارين في الشؤون الأمنية ,وهذا ما يفسر عدم الثقة المتبادلة بين الإسلاميين
وبين الأجهزة الأمنية , وبدورها علاقة الإسلاميين مع الجيش تثير عدة أسئلة لأنه
في سنوات حكم العدالة والتنمية سجلت ملاحظات دقيقة سيتم التطرق لبعضها ويمكن
اعطاء اشارة بسيطة على هذا المستوى توضح جليا النوايا الحقيقية لبعض الجهات في
الحركات الاسلامية المغربية , فمثلا منذ امساك العدالة والتنمية المغربية
للحكومية لم يتم تشغيل أي فرد من اسر شهداء القوات المسلحة الملكية في اية إدارة
من الإدارات التابعة لها رغم وجود قانون مكفولي الأمة ونسبة 25 في المائة ورغم
مراسلات الجهات العسكرية المعنية بالشؤون الاجتماعية للجيش ,ولنقس حجم الضرر على
ملف الصحراء وعلى معنويات الجيش وعلى قدماء العسكريين وقدماء المحاربيين من السلوك
الجديد لحكومة الاسلاميين وهذا مثال بسيط فقط من بين أمثلة كثيرة مخيفة ,لم
نشهد لها مثالا في الحكومات السابقة سواء من طرف الاستقلال او الاتحاد الاشتراكي او
غيرها ,فقد كان هناك تواصل والتفات لهذه الفئات واو بشكل محدود .
+ سعي الحزب للانفراد بالمشروعية السياسية
شهد الحقل السياسي المغربي في السنين الأخيرة ما يسمى تلاشي
المشروعيات , فالمشروعية الوطنية التي كانت تحسب أساسا على الاتحاد
الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال قد تلاشت ,وتحولت هده
الأحزاب إلى جماعات مصالح واوليغارشبات عائلية مغلقة , تدافع عن مصالح فئوية ضيقة
مما نفر الشعب من هذه الأحزاب التي توفرت في الماضي على قواعد صلبة
ونتيجة الانتخابات مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الشريحة المقاطعة أو غير المسجلة
أصلا خير دليل على نفور الشعب من هذا التيار .
بالإضافة إلى تلاشي المشروعية الوطنية فان المشروعية
الثورية التي كانت تتبناها أحزاب اليسار قد تلاشت بدورها ودخلت في متاهات من
الصراعات الغير المتناهية بين أطراف اليسار فالدياليكتيك يطبقونه فقط فيما بينهم ,
مما اضعف الجميع .
هذا الفراغ في المشروعيات داخل الحقل السياسي المغربي اوجد
بيئة خصبة للإسلام السياسي لبسط نفوذه والنهل من كافات المشروعيات , فتحول حزب
العدالة والتنمية من تبني المشروعية الدينية إلى إدماج خطاب المشروعيات الوطنية
والثورية والإصلاحية الوسطية في خطابه السياسي وحول بذلك بقية الاحزاب الى كائنات
انتخابية مناسباتية عديمة الفائدة وبدون أية قيمة مضافة للوطن أحزاب للتاثيت ليس
إلا .
الإشكال هنا هو أن الحزب أصبح وحيدا في الساحة السياسية ولا
يوجد له ند قوي غير الدولة التي تتأسس بدورها على المشروعية الدينية وهنا
مكمن التهديد ,إذ لا يمكن لقوتين أن يتقاسمان نفس المشروعية بدون أن يكون هناك
صراع وقد بدا فعلا بين الحزب وبين عدة اطراف .
خلاصات
الحل هنا ومن اجل الحفاظ على التوازنات الماكروشمولية للأمن
القومي المغربي هو تقوية دور الدولة والحفاظ عليها قوية في وجه الحكومة ,وتنقية
أجهزة الدولة من بعض الفاسدين والطفيليات التي تأخذ الأجور بدون القيام بمهامها
بجدية , لان هذا هو الباب الذي سيعطي للإسلاميين المشروعية الأخلاقية والوطنية
والدينية للزحف نحو اختصاصات الدولة باعتبار الإسلاميين الأكثر نزاهة
ومصداقية على مستوى ربط الأجر بالعمل وتفعيل المنفعة الحدية وارجاع الثقة
بين المستثمر ودافعي الضرائب وبين الدولة,والخطر الأكبر هو زحف
الإسلاميين نحو مراكز القوة والقرار في الدولة المغربية الكثيفة تاريخيا و امنيا
عبر هذه المنافذ.
فلا يجب الانجرار وراء شعارات خادعة من قبيل
الديمقراطية التشاركية والتناوب على السلطة لترك مصير الوطن وأمنه بيد حزب لا نعلم
لحد الآن نواياه الحقيقية , خصوصا وان هذه الانتخابات لا تعبر بتاتا عن حقيقة
الشعب ,فمن ذهب للتصويت اقل بكثير من الممتنعين سواء عبر المقاطعة أو عبر عدم
التسجيل أصلا , أي أن الحكومة تعبر عن أقلية هزيلة ولا يجب إطلاق يدها
للتقرير في أمور مصيرية متعلقة بشؤون الأمن القومي المغربي
فالسؤال الأمني الخطير الذي أصبح جديا هو من سيمثل الغالبية
من الشعب المغربي التي اختارت البقاء بعيدا عن الانتخابات وهل هذه الشريحة
الكبرى أداة بناء وتنمية للوطن تنتظر فقط من يعبر عنها , أم أنها أداة
تخريب وهدم للوطن حين تسنح لها الفرصة كما حدث في سوريا, باعتبارها فئة لا تستفيد
من الوضع ,والاستقرار لا يخدم مصالحها .
إن التحدي الأكبر هو هذه الفئة المنعزلة عن قواعد
اللعب السياسي ,فالحكومة برئاسة العدالة والتنمية ستحاول لا محالة تازيم
الوضع ورفع الأسعار من اجل دفع هذه الأغلبية للاحتجاج في الشارع والباقي
ستتكلف به باقي الجماعات من خارج الحكومة ,فعلى الدولة إذن لجم حزب العدالة
والتنمية لكن بهدوء ودون السقوط في الخطأ الذي ارتكبه الجيش الجزائري بعد
الانتخابات التي أفرزت تفوق الإسلاميين في بداية التسعينات ودون السقوط في الخطأ
الدموي الذي ارتكبه الجيش المصري مرغما تجاه حركة الإخوان المسلمين, لان
العدالة والتنمية جزء من الشعب وشر لابد منه, لهم محاسنهم المتمثلة في الجدية
والنزاهة وربط الآجر بالعمل بالقواعد المتعارف عليها في القطاع الخاص لطمأنة
دافعي الضرائب ويصلحون لتنفيذ الكثير من السياسات لكن لهم مساوؤهم وهي متى
تملكوا زمام الأمور في الأجهزة الأمنية والعسكرية أو جزء منها إلا وحل الخراب
والقتل والتهجير وما تقوم به الحكومة التركية تجاه الجيش وتجاه جيرانها لخير مثال,
أي يجب ترك الإسلاميين يشتغلون لكن يجب وضعهم تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى
.والحمد لله رب
العالمين