لا شك ان الهدف الاول و البعيد المدى من سايكس بيكو الاولى هي تهيئة خريطة الشرق الاوسط و الاقليم لميلاد دولة جديدة الا و هي الدولة العبرية، و بعد مرور خمسة اعوام على ما يسمى بالربيع العربي و هو ما جعل الدولة العبرية فى موقف العملاق وسط الاقزام المتهالكة المفككة امامه و المتهاوية امام أي عاصفة اخرى قد تأتى مجددا ليختفي تماما من على الخريطة، بجانب تحقيق الهدف الثاني بعيد المدى و هو تهيئة خريطة الشرق الاوسط و الاقليم لميلاد الدولة الثانية الجديدة الا و هي الدولة الكردية .
فقدوم الولايات المتحدة الامريكية على انشاء قاعدة جوية عسكرية ثانية لها بشمال سوريا ( جنوب عين العرب كوباني ) هي خطوة مباشرة لكتابة شهادة ميلاد الدولة الحديثة بالاقليم فى أطار الرؤية الشاملة لمفهوم الشرق الاوسط الكبير، و جائت تلك الخطوة أثناء الهدنة بسوريا كي تضمن الولايات المتحدة ان سايكس بيكو2 سيسير على غرار سايكس بيكو1، مع الفارق هو الاعتراف الامريكي الرسمي بالنفوذ الروسي فى الاقليم الذى كانت تتحرك فيه واشنطن دائما على انها أرض مصالح امريكية خالصة قبل ان تسلم راية شرطى الاقليم لطهران رسميا مع بداية العام الجاري كي تكمل مثلث النفوذ بالاقليم مع أنقرة و تل أبيب .
و قبل أن يتفاجئ البعض ببناء قاعدة جوية ثانية للولايات المتحدة بشمال سوريا صرحت موسكو عن طرح حلول فيدرالية لسوريا، فكما ذكرنا منذ شهور ان موسكو و واشنطن اتفقا على تسوية الملف السوري بعيدا عن صبيان الاقليم و هو الامر الذى سلمت له باريس بعد أن فشلت فى اخراج جبهة النصرة من قائمة التنظيمات الارهابية قبل ان تسحب حاملة طائراتها شارل ديغول من الخليج التى كانت تهدف لاثبات الحضور العسكري فى الملف السوري و العراقي بعد أن ندمت بتركها لليبيا وحدها لروما، بالتزامن مع تحرك الرجل الثاني بقصر يلدز داوود اوغلو تجاه طهران لبحث حلول واقعية تجاه معضلات تركيا الخارجية قبل البحث عن كيفية الخروج من المأزق الاقتصادي الداخلي بالتزامن مع أستكمال أخر خطوات التطبيع العلني مع أسرائيل، فالخليفة العثماني أردوغان الاول يرى ضمان بقاء امبراطوريته مرهون بعلاقته فى الاقليم مع دولتين فقط هم ايران و اسرائيل و اى دولة غيرهم ما هي الا جواد يمتطيه لعبور مرحلة ما فى ظل بذل اردوغان كل المساعي للدفع بدفعات جديدة من الارهابيين للحدود السورية، و استمرارها فى تقليب الداخل اللبناني بعد احتجاز البحرية اليونانية سفينة ترفع علم توجو محملة بالسلاح التركي كانت متجهة للبنان أو بالادق لاجنحتها الارهابية بالقلمون و عرسال، و لكن السؤال بالغ الخطورة الذى يطرح نفسه الان هل نهاية التسوية فى سوريا بين موسكو و واشنطن ستكون فيدرالية على غرار أغلب أن لم يكن جميع الملفات التى سويت بين الكبار كالسودان و كوسوفو و الشيشان و جورجيا و اوكرانيا و غيرها، و هل ستطول الفيدرالية العراق و اليمن و ليبيا، و هل ترغب الولايات المتحدة فى تعميمها مع الشعانبي بتونس او جنوبها او بالصحراء المغربية او مع امازيغ الجزائر و تدوير تلك المعادلة على مختلف دول المنطقة برمتها، أم ستكتب سوريا نهاية أخرى فى ظل عزم سوريا و حلفائها على وحدة الاراضي السورية و بعد أن أعربت جامعة الدول العربية يوم 8 مارس الجاري حرصها على وحدة الاراضي السورية و سياداتها الاقليمية و رفض اي محاولات لتقسيمها و رفض كافة الافكار المطروحة حول الفيدرالية فى سوريا .
فادى عيد
الباحث السياسي و المحلل الاستراتيجي